فصل: الخبر عن حصار القصبة بتونس ثم الافراج عن القيروان وعنها وما تخلل ذلك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ولاية الأمير أبي العباس الفضل على بونة وأولية ذلك ومصايره:

كان السلطان أبو الحسن قد أصهر إلى السلطان أبي بكر قبيل مهلكه في إحدى كرائمه وأوفد عليه في ذلك عريف بن يحيى كبير بني سويد من زغبة وصاحب شواره وخالصة سره وفد من رجالات دولته من طبقات الفقهاء والكتاب والموالي كان فيهم صاحب الفتيا بمجلسه أبو عبد الله السطي وكاتب دولته أبو الفضل عبد الله بن أبي مدين وأمير الحرم عنبر الخصي فاسعفه السلطان وعقد له على حظيته عزونة شقة ابنه الفضل وزفها إليه بين يدي مهلكه مع أخيها الفضل ومعه أبو محمد عبد الواحد ابن الجماز من مشيخة الموحدين وأدركهم الخبر بمهلك السلطان في طريقهم فلما قدموا على السلطان أبي الحسن تقبلهم بقبول حسن ورفع مجلس الفضل واستتب له ملكها فأعرض عن ذكر ذلك إلا أنه رعى له ذمة الصهر وسابقة الوعد فأسعفه بالعقد على بونة مكان عملة منذ أيام أبيه وأنزله بها عندما رحل عنها إلى تونس وانقمع المولى الفضل من ذلك حقدا لما يرجوه من تجافيهم له عن ملك آبائه ولحق وفادته وصهره وأقام بمكان عمله منها يؤمل الكر إلى أن كان من أمر ما نذكره والله أعلم.

.الخبر عن بيعة العرب لابن دبوس وواقعتهم مع السلطان أبي الحسن بالقيروان وما قارن ذلك كله من الأحداث:

كان السلطان أبو الحسن لما استوسق له ملك أفريقية أسف العرب بمنعهم من الأمصار التي ملكوها بالأقطاعات والضرب على أيديهم في الأتاوات فوجموا لذلك واستكانوا لغلبته وتربصوا الدوائر وربما كان بعض البادية يشن الغارات في الأطراف فيعتدها السلطان على كبارهم وأغاروا بعض الأيام في ضواحي تونس فاستاقوا الظهر الذي كان في مرعاها وأظلم الجو بينهم وبينه وخشوا عاديته وتوقعوا بأسه ووفدوا عليه أيام الفطر من رجالاتهم خالد بن حمزة وأخوه أحمد من بني كعب وخليفة بن عبد الله من بني مسكين وخليفة بن بو زيد من رجالات حكيم وساءت طنونهم في السلطان لسوء أفعالهم فدخلوا عبد الواحد بن اللحياني في الخروج على السلطان وكان من خبر عبد الواحد هذا أنه بعد إجفاله من تونس سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة كما ذكرناه لحق بأبي تاشفين فأقام عنده في مبرة وتكرمة ولما أخذ السلطان أبو الحسن بمخنق تلمسان واشتد حصارها سأل عبد الواحد بن أبي تاشفين تخليته للخروج فودعه وخرج إلى السلطان أبي الحسن فنزل عليه ولم يزل في جملته إلى أن احتل بأفريقية فلما اخشن ما بينه وبين الكعوب والتمسوا الأعياص من بني أبي حفص فيصطفونهم للأمر رجوا أن يظفروا من عبد المؤمن هذا بالبغية فدخلوا وإرتاب لذلك وخشي بادرة السلطان فرفع إليه الخبر فتقبض السلطان عليهم وأحضرهم معه فأنكروا وبهتوا.
ثم وبخهم واعتقلهم وعسكر بساحة الحضرة لغزوهم وتلوم لبعث الأعطيات وأزاح العلل وبلغ الخبر إلى أحيائهم فقطع اليأس أسباب رجائهم وانطلقوا يخربون الأحزاب ويلمون للملك الأعياص وكان أولاد مهلهل أقيالهم وعديلة حملهم قد أيأسهم السلطان من القبول والرضا بما بالغوا في نصيحة المولى أبي حفص ومظاهرته فلحقوا بالقفر ودخلوا الرمال فركب إليهم قتيبة بن حمزة وأمه ومعهم ظعائن أبنائهما متذممين لأولاد مهلهل بالعصبية والقرابة فأجابهم واجتمعوا بقسطيلية وتحاثوا التراب والدماء وتذامروا بما شملهم من رهب السلطان وتوقع بأسه وتفقدوا من أعياص الموحدين من ينصبونه للأمر وكان بتوزر أحمد بن عثمان ابن أبي دبوس آخر خلفاء بني عبد المؤمن بمراكش وقد ذكرنا خبره وخروجه بجهات طرابلس وإجلابه مع العرب على تونس أيام السلطان أبي عصيدة ثم انفضوا وبقي عثمان بجهات قابس وطرابلس إلى أن هلك بجريرة جربة واستقر بنو ابنه عبد السلام بالحضرة بعد حين فاعتقلوا بها أيام السلطان أبي بكر ثم غربهم إلى الإسكندرية مع أولاد ابن الحكيم عند نكبته كما ذكرنا ذلك كله فنزلوا بالإسكندرية وأقبلوا على الحرف لمعاشهم ورجع أحمد هذا من بينهم إلى المغرب واستقر بتوزر واحترف بالخياطة ولما تفقد العرب الأعياص دلهم على نكرته بعض أهل عرفانه فانطلقوا إليه وجاؤا به وجمعوا إليه الآلة ونصبوه للأمر وتبايعوا على الاستماتة ورجع إليهم السلطان في عساكره من تونس أيام الحج من سنة ثمان ولقيهم بالثنية دون القيروان فغلبهم وأجفلوا أمامه إلى القيروان ثم تذامروا ورجعوا مستميتين ثاني محرم سنة تسع فاختل مصافه ودخل القيروان وانتهبوا معسكره بما اشتمل عليه وأخذوا بمخنقة إلى أن اختلفوا فأفرجوا عنه وخلص إلى تونس كما نذكر والله تعالى أعلم.

.الخبر عن حصار القصبة بتونس ثم الافراج عن القيروان وعنها وما تخلل ذلك:

كان الشيخ أبو محمد بن تافراكين أيام حجابة السلطان أبي بكر مستبدا بأمره مفوضا إليه في سائر شؤونه فلما استوزره السلطان أبو الحسن لم يجره على مألوفه لما كان قائما على أمره وليس التفويض للوزراء من شأنه وكان يظن أن السلطان أبا الحسن سيكل إليه أمر أفريقية وينصب معه الفضل للملك وربما زعموا أنه عاهده على ذلك فكان في قلبه من الدولة مرض وكان العرب يفاوضونه بذات صدروهم من الخلاف والإجلاب فلما حصلوا على البغية من الظهور على السلطان أبي الحسن وعساكره وأحاطوا به في القيروان تحيل ابن تافراكين في الخروج على السلطان لما تبين فيه من النكر منه ومن قومه وبعث العرب في لقائه وأن يحملوه حديث بيعتهم إلى الطاعة فأذن له وخرج إليهم وقلدوه حجابة سلطانهم ثم سرحوه إلى حصار القصبة وكان عند رحيله من تونس خلف بها الكثير من أبنائه وجوه قومه فلما كانت واقعة القيروان واتصل الخبر بتونس كانت لبناته هيعة خشي عليها عسكر السلطان على أنفسهم فلجأ من كان معهم من تونس إلى قصبتها وأحاط بهم الغوغاء فامتنعت عليهم واتخذوا الآلة للحصار وفرقوا الأموال في الرجال وعظم فيها غناء بشير من المعلوجين الموالي فطار له ذكر وكان الأمير أبو سالم ابن السلطان أبي الحسن قد جاء من المغرب فوافاه الخبر دوين القيروان فانفض معسكره ورجع إلى تونس معهم بالقصبة.
ولما فرج عن ابن تافراكين من هوة الحصار بالقيروان طمعوا في الاستيلاء على قصبة تونس وفض ختامها فدفعوه إلى ذلك ثم لحق به سلطانه ابن أبي دبوس وعانى من ذلك ابن تافراكين صعبا لكثرة الرجال الذين كانوا بها ونصب المجانيق عليها فلم يغن شيئا وهو أثناء ذلك يحاول النجاء بنفسه لاضطراب الأمور واختلال الرسوم إلى أن بلغه خلوص السلطان من القيروان إلى سوسة.
وكان من خبره أن العرب بعد إيقاعهم بعساكره أحاطوا بالقيروان واشتدوا في حصارها وداخل السلطان وأولاد مهلهل من الكعوب وحكيما من بني سليم في الإفراج عنه واشترط لهم على ذلك الأموال واختلف رأي العرب لذلك ودخل عليه قنيبة بن حمزة بمكانه من القيروان زعما بالطاعة فتقبله وأطلق أخويه خالدا وأحمد ولم يثق إليهم.
ثم جاء إليه محمد بن طالب من أولاد مهلهل وخليفة ابن أبي زيد وأبو الهول بن يعقوب من أولاد القوس واسرى معهم بعسكره إلى سوسة فصبحها وركب منها في أساطيله إلى تونس وسبق الخبر إلى ابن تافراكين بتونس فتسلل من أصحابه وركب السفينة إلى الإسكندرية في ربيع سنة تسع وأربعين وسبعمائة.
وأصبحوا وقد فقدوه فاضطربوا وأجفلوا عن تونس وخرج أهل القصبة من أولياء السلطان فملكوها وخربوا منازل الحاشية فيها ونزل السلطان بها من أسطوله في ربيع الآخر فاستقلت قدمه من العثار ورجا الكرة لولا ما قطع أسبابها عنه مما كان من انتراء أبنائه بالمغرب على ما نذكره في أخبارهم وأجلب العرب وابن أبي دبوس معهم على الحضرة ونازلوا بها السلطان فامتنعت عليهم فرجعوا إلى مهادنته فعقد لهم السلم ودخل حمزة بن عمر إليه وافدا فحبسه إلى أن تقبض على ابن أبي دبوس وأمكنه منه فلم يزل في محبسه إلى أن رحل إلى المغرب ولحق هو بالأندلس كما نذكره في أخباره وأقام السلطان بتونس ووفد عليه أحمد بن مكي فعقد لعبد الواحد بن اللحياني على الثغور الشرقية طرابلس وقابس وصفاقس وجربة وسرحه مع ابن مكي فهلك عند وصوله إليها في الطاعون الجارف وعقد لأبي القاسم بن عتو من مشيخة الموحدين وهو الذي كان قطعه بإغراء أبي محمد بن تافراكين فلما ظهر خلافه أعاد ابن عتو إلى مكانه وعقد له على بلاد قسطيلية وسرحه إليها وأقام هو بتونس إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.